أثر القرآن في النفوس
هل تشعر بأن قلبك يتأثر عند قراءة القرآن؟
اقتضت حكمة الله أن ينزل القرآن منجمًا في ثلاث وعشرين سنة، ليتمكن الناس من فهمه والعمل به، قال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106].
يقول ابن مسعود: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات من القرآن، لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن.
عن أبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله قال: " إنما أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن من العمل قال: فتعلمنا العلم والعمل جميعاً".
والقراء هم العلماء وهم أهل مجلس عمر رضي الله عنه، والمراد بالقراء: العلماء؛ لأن القراء هم العلماء في العصر الأول.
لقد تعامل الصحابة مع القرآن على حقيقته ككتاب هداية وشفاء وتغيير وتقويم، لذلك لم يكن همُّهم منصبًا على سرعة الحفظ أو قراءة أكبر قدر من آياته.
لقد ذاقوا حلاوة الإيمان من خلال هذا الكتاب. قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "من جمع القرآن فقد حمل أمرًا عظيمًا، فقد أدرجت النبوة بين كتفيه، غير أنه لا يوحى إليه.
حث الإسلام على تدبر القرآن، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله: تدمع أعينهم وتقشعِرُّ جلودهم، وهم كذلك كما وصف الله أولياءه في قوله سبحانه: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: 23).
قال ابن كثير رحمه الله: «أي هذه صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبار، المهيمن العزيز الغفار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد. والتخويف والتهديد، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف، {ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه. .وأنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا، بأدب وخشية، ورجاء ومحبة، وفهم وعلم، قال تعالى: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا} [الفرقان:73] أي: لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها، بل مصغين إليها، فاهمين بصيرين بمعانيها؛ فلهذا إنما يعملون بها، ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومتابعة. [تفسير ابن كثير (7/ 94) بتصرف]
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا ليلة فقام بآية يرددها، وهي: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118].
وقال الحسن: كان عمر يمر بالآية من ورده بالليل فيبكي حتى يسقط، ويبقى في البيت حتى يعاد للمرض.
وقام تميم الداري بآية (مبكاة العابدين) يكررها حتى أصبح أو كاد، وهي قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21].
وعن عروة بن الزيير رضي الله عنه قال: دخلت على أسماء بنت أبي بكر (يعني أمه) وهي تصلي، فقرأت هذه الآية: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] فقمت، فلما طال علي ذهبت إلى السوق، ثم رجعت، وهي مكانها، وهي تكرر الصلاة (يعني الآية).
وروي أن عامر بن عبد قيس قرأ ليلة سورة المؤمن (غافر)، فلما انتهى إلى هذه الآية {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غافر: 18] لم يزل يرددها حتى أصبح.
وكان بعضهم يقول: كل آية لا أفهمها، ولا يكون قلبي فيها، لا أعد لها ثوابا.
وعن أبي سليمان الداراني قال: إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال، وخمس ليال، ولا أني أقطع الفكر فيها ما جاوزتها إلى غيرها.
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] بكى حتى يغلبه البكاء.
وشرب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ماء مبردا فبكى بكاء شديدا، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت آية في كتاب الله {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54] فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئا شهوتهم الماء.
وعن القاسم قال: صلى ابن عمر- رضي الله عنه فقرأ قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] حتى بلغ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:1 - 6] فبكى ابن عمر حتى حنى ولم يقدر أن يكمل ما بعدها من الآيات.
لماذا ظل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يردد قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه:114) في ليلة حتى أصبح؟ ولماذا استمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يردد في الفاتحة طيلة الليل؟! وغيرهم وغيرهم.
إنها حلاوة الإيمان، وخشوع القلب، ولذة القرب الحقيقي من الله، والشعور بالتغيير الذي يحدث لهم كلما رددوا الآية التي تحركت معها قلوبهم .. فهل من يعيش في هذه الأجواء، ويرى النور بعينه، يعود إلى الوراء، ويستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيقرأ القرآن بلسانه وهو غافل عنه؟!
وصلِ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
انشر تؤجر وشاركنا تعليقاتك.